ولد الشافعى سنة 150هـ وهى السنة التى توفّى فيها الإمام أبوحنيفة فى حىّ اليمن فى غزة، وقيل فى عسقلان، مات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه، فنشأ بها، وبقى بها سبعة عشر عاما، يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ولزم قبيلة «هذيل» فى البادية يتعلم كلامها ويأخذ طبعها، وكانت هذه القبيلة أفصح العرب وينطق رجالها بأجود الأشعار، فتعلم معهم، وكان دائم الترحل معهم، فيرحل برحيلهم وينزل بنزولهم ويحفظ أشعارهم، وبعدها انتقل الشافعى إلى المدينة المنورة ليتعلم من الإمام مالك أبن أنس، وفى ذلك الوقت كان هناك العديد من الفقهاء فى المدينة فأخد الشافعى من أغلبهم العلم، لكن بقى للإمام مالك مكانته الخاصة فى قلب وعقل الشافعى، كذلك أعجب مالك به فأبقاه معه حتى توفى عام 179 هجريا، وبعد وفاة مالك عاد الشافعى إلى مكة وقابل هناك والى اليمن الذى طلب منه الذهاب معه للعمل فى نجران، فوافق وهناك اختلف الشافعى مع أهل نجران ووشوا به إلى الخليفة هارون الرشيد وقالوا إنه يسعى للخلافة، وعلى الفور استدعاه الخليفة هارون فى بغداد لكن الشافعى أحسن الدفاع عن نفسه وأطلق الخليفة هارون الرشيد سراحه.
بقى الإمام الشافعى بعد ذلك فى بغداد لمدة عامين تعلم فيهما علوم الدين، ثم عاد إلى مكة، ومنها إلى بغداد مرة أخرى فى عام 195، ثم إلى مكة مرة أخرى، وبعدها للمرة الثالثة إلى بغداد عام 198، وبقى هناك شهورا ثم انتقل للمرة الأولى إلى مصر عام 199، وقيل إنه قبل خروجه من بغداد قال أحدهم للشافعى «أتذهب إلى مصر وتتركنا؟»، فرد قائلا «هناك الممات»، وبالفعل مكث الشافعى فى مصر وتحديدا فى منطقة الفسطاط حتى توفى هناك عام 205.
عاصر الشافعى الخلافة العباسية فى عصرها الأول الذى بدأ فى المشرق عام 132 وحتى عام 232 للهجرة، وشهد هذا العصر نهضة ثقافية، فقد بدأ الاستقرار فيه وانتظم ميزان الأمة الاقتصادى، وكانت النهضة العلمية فى العصر الأول تتمثل فى ثلاثة جوانب هى «حركة التصنيف، وتنظيم العلوم الإسلامية، وميلاد علم تفسير القرآن وفصله عن علم الحديث، وعاش فى هذا العصر أئمة الفقه الأربعة أبوحنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل،