الوقف يجمع بين الهبة والصدقة؛ فقد يكون هبةً وَصِلَةَ رحم؛ بحسب نيَّة الواقف والعَلاقة بالموقوف عليهم، وقد يكون صدقة لوجهه تعالى مجرَّدة عن كل غرض، وهو في حالتيه يخدم المستقبل، ويدَّخر للأجيال المقبلة، وقد ترتَّبت عليه مصالحُ واضحة للعيان؛ فبالنسبة للأفراد الذين قد تسطو عليهم عادية الزمان، وتقسو عليهم صروف الدهر، فيعجزون عن العمل، أو تنضب عليهم الموارد فيجدون في الوقف غيثًا مدرارًا، ومَعِينًا فيَّاضًا يُحْيِي مواتهم، ويَنْقَع غُلَّتهم ، ويُبْرِئ عِلَّتهم.
أمَّا بالنسبة للأُمَّة فإنها تجد في الوقف مرفقًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا لمساعدة الفقراء والمُعْوِزِين، ومعالجة المرضى في المستشفيات الخيريَّة، وتسهيل التنقُّل بالقناطر، وحفر الآبار، واتِّخاذ الصهاريج، وقد نجد مؤسَّسة دينيَّة وثقافيَّة تُشَيِّد بيوتَ الله للمُصَلِّينَ، وتَرْفَع صروحَ المدارس والجامعات للعلماء والطلاَّب والدارسين، الذين يأتيهم رِزْقُهم بلا خوف أو وَجَلٍ أو أذى، فيهتمُّون بالدرس والعلم والبحث ونشر المعرفة.
فالوقف قادر على أن يدخل في مجالات الحياة كافَّة، فيُلَبِّي مطالبها على أكمل وجه وأتمِّ صورة، فلا يحتاج الفقراء إلى غيرهم في سدِّ رَمَقِهم، ولا ينكمش المجاهدون في ثغورهم عن الجهاد بسبب احتياجهم؛ لأن الوقف مدد كافٍ لعددهم وعُدَّتِهم؛ فيُسهم مساهمة فاعلة في بناء الرباطات والمراكز في مناطق التقاتل والتَّمَاسِ مع العدوِّ، وتقديم الدعم للمجاهدين فيما وُقِفَ في سبيل الله تعالى، فيُصرف منه أرزاقهم، ويُشترى به الكُرَاع والسلاح..